
مقالات

نحو انتفاضة أبويّة 1-1
18/7
د.ابراهيم الصيخان
قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ».
هذه هي دعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام في محكم التنزيل أن يجعل هذا البلد آمناً.. والأمن لا يأتي جزافاً، بل إن له مقومات، ومنها أن من يسكن هذا البلد يتوجّب عليه ان يسعى لتحقيق هذا الأمن.
ولعله من الملاحظ من الأحداث الأخيرة، التي عكّرت صفو أمن البلاد وأثّرت على طمأنينة العباد، أن فئة عمرية من الصغار والأغرار من المراهقين والشباب لهم دور في هذا الإخلال وذلك بالتردي في ساحة الضلال والانقياد له.
فمن أين أتى هذا الخلل إلى نفوس أولئك المراهقين والشباب فوقعوا في حبائل الشيطان وأعداء الوطن؛ يسيّرهم كيفما يريد كذئابٍ معزولة يُرفع عنها السياج وقت الحاجة وتُطلق لتنهش ولتدمّر ولتنشر الفساد في الأرض.
ما مصدر الخلل؟.. من هو المسؤول؟..
لتكنْ لدينا الجرأة، ولنعلنْ أننا 'نحن يا معشر الآباء' لنا دور كبير في الخلل وعلى عاتقنا يقع جزء ليس يسيرا من المسؤولية.
نعم عندما ابتعدنا عن أبنائنا.. تم اختطافهم منا، فليس من العذر أن نقول فقط «الحافظ الله».. فنحن رعاة وكل راعٍ مسؤول عن رعيته.. نعرف أن الحياة تتغيّر وتتعقّد وتتسبّب في انصرافنا عن الأبناء والابتعاد عنهم.. وفي الوقت نفسه، علينا أن نعلم أنّ وسائل التربية وأساليبها ينبغي لها أن تتغيّر أيضا، فلم تعد عملية التربية مربوطة بحزمة من الأوامر والنواهي فحسب..
الأمر أكبر من ذلك يا سادة. لا ينبغي أن نلقي باللائمة على الآخرين وننسى أنفسنا. علينا أن نتبصّر بعمق لما يحدث لأبنائنا ولماذا تسهل عملية انحرافهم إلى درجة أصبحوا أعداء لنا.. فلننظر إلى هذا الشاب الذي يجلس متوشحا سلاحه بين رفاقه وهو يخطب فيهم مستلا الآيات من القرآن الكريم وبفهمٍ معوجٍّ يطلب إليهم أن يتبّرأوا من آبائهم وأمهاتهم وأقربائهم. لماذا يا فهيم؟! لأنهم أصبحوا في عُرف ثقافته الظلامية ومنطقه السقيم كّفاراً.. ومن اقتضاء التكفير يبرز بصفاقة وخسّة أمرُ التحريض الصريح على القتل والعياذ بالله.
اذاً مرة اخرى من المسؤول؟
يلقي معظم الآباء بالمسؤولية على غيرهم كالمعتاد تهرّبا من التبعات ومن الدور. وأقرب جهة تٌلقى عليها تلك التهمة في الإهمال والتقصير هي المدرسة التي نرى أنها تضخّمت مسؤولياتها عند المجتمع إلى درجة أصبحت عاجزة عن قيامها بدورها الاساسي وهو التعليم.. ناهيك عن الأمور الأخرى مثل التربية. نعم هناك ثغرة في دور المدرسة وقصور لا شكّ فيه، ولكن ليس إلى درجة أن تُلقى المسؤولية عليها جملة وتفصيلا.. ونحن معشر الآباء وحدنا المسؤولون بالدرجة الأولى عن هذا الخلل وهذا الانحراف في فكر أبنائنا وسلوكهم.. وحتى تتحقّق دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام؛ يجب أن نعمل بالأسباب وأن نبذل الجهد في القول والعمل.
فهل نجد انتفاضةً أبويّة لتعودَ لنا السكينة ونستردَّ ما سُرق منا (فلذاتُ اكبادنا)؟